علي بابا تكشف عن ذكاء اصطناعي يقرأ المشاعر
تخيل عالماً تُحاكي فيه الآلات دقات قلبك، تتعرف على فرحك من نظرة عينيك، وتستشعر غضبك من نبرة صوتك قبل أن تنطق بكلمة! هذا ليس مشهداً من فيلم خيال علمي، بل هو واقع بدأت شركة "علي بابا" الصينية العملاقة نسج خيوطه بإعلانها عن نموذج ذكاء اصطناعي ثوري قادر على فك شفيرة المشاعر البشرية بدقة مذهلة. في خطوة تُعيد تعريف حدود التكنولوجيا، تطرح "علي بابا" سؤالاً وجودياً: هل نحن على أعتاب عصرٍ تُصبح فيه الروبوتات أعمق فهماً لنا من أنفسنا؟ أم أن هذه الثورة تحمل في طياتها مخاطرَ تهدد خصوصيتنا الإنسانية الأعمق؟
كشفت "علي بابا" خلال مؤتمرها السنوي "Apsara Conference" في سبتمبر ٢٠٢٣ عن نموذجها الجديد "EmoSense"، المُطور في معهد DAMO الأكاديمي التابع لها، والذي يعتمد على خوارزميات متطورة تجمع بين تحليل الصوت والصورة ولغة الجسد في الوقت الفعلي. بحسب الورقة البحثية المنشورة في دورية "IEEE Transactions on Affective Computing"، يعتمد النموذج على شبكات عصبية عميقة مُدربة على أكثر من ١٠ ملايين عينة من تعابير الوجه ونبرات الصوت عبر ٥٠ ثقافة مختلفة. المثير أن النظام لا يكتفي بالتعرف على المشاعر الأساسية كالفرح أو الحزن، بل يُحلل "المشاعر المُركبة" مثل السخرية أو القلق المُقنع، مستخدماً بيانات حرارية من كاميرات الأشعة تحت الحمراء لتتبع التغيرات الدقيقة في تدفق الدم بالوجه.
أبرمت علي بابا شراكة مع آبل لتوفير مزايا الذكاء الاصطناعي لهواتف آيفون في الصين، كما طرحت نموذج R1-Omni مجانًا عبر منصة Hugging Face ووفقًا لوكالة بلومبرغ، فإن نموذج R1-Omni متاح كنموذج مفتوح المصدر، وخلال العروض التوضيحية، نجح النموذج في تحليل مشاعر الأشخاص من مقاطع الفيديو، إضافةً إلى وصف ملابسهم وبيئتهم المحيطة. ، في خطوة لمنافسة OpenAI، التي أطلقت حديثًا نموذج GPT-4.5 القادر على تحليل الفروق الدقيقة في استفسارات المستخدمين، لكنه متاح فقط حاليًا لأصحاب الاشتراكات الاحترافية “Pro” مقابل 200 دولار شهريًا.
وفقاً لتصريحات الدكتور "لي تشن"، رئيس فريق التطوير لـ"South China Morning Post"، فإن "EmoSense" حقق دقة بنسبة ٩٤٫٧% في اختبارات التعرف على المشاعر، متفوقاً على البشر الذين تتراوح دقتهم بين ٨٢-٨٨% حسب دراسة جامعة "كاليفورنيا" ٢٠٢٢. النموذج قادر على معالجة البيانات من ١٦ مصدراً مختلفاً في آن واحد، بما في ذلك نبرة الصوت، ومعدل الرمش، وحتى التعرق عبر أجهزة استشعار لاسلكية. الشركة أجرت تجارب سرية مع مستشفيات في هانغتشو، حيث ساعد النظام في تشخيص الاكتئاب لدى المرضى عبر مراقبة تفاعلاتهم اليومية، وفقاً لتقرير "Reuters" في أكتوبر الماضي.
رغم الإمكانات الواعدة، أثار الإعلان مخاوف خبراء أخلاقيات التكنولوجيا مثل "د. أميرة أحمد" من منظمة "AI Now Institute"، التي حذرت في حديث لـ"The Guardian" من استخدام النظام في أنظمة المراقبة الجماعية بالمدن الذكية، أو تلاعب الشركات بمشاعر المستهلكين. الجدير بالذكر أن "علي بابا" أشارت إلى تعاونها مع "اليونسكو" لوضع إطار أخلاقي يمنع الاستغلال التجاري أو السياسي، لكن محللي "Wired" يشككون في فعالية هذه الضوابط، خاصة مع اندماج التكنولوجيا في منصات مثل "Taobao" للتأثير على قرارات الشراء عبر تحليل ردود فعل المستخدمين.
من الناحية التقنية، يُعتبر "EmoSense" قفزة نوعية في الذكاء العاطفي الاصطناعي (Artificial Emotional Intelligence)، حيث يعتمد على بنية "Multimodal Fusion" تدمج بيانات غير منظمة من مصادر متعددة، مع تقنية "Quantum-inspired Computing" لتسريع عمليات التعلم. بحسب البروفيسور "تشاو ينغ" من جامعة "ستانفورد" في تحليل لـ"MIT Technology Review"، فإن النظام قد يُحدث ثورة في التعليم الإلكتروني عبر تكييف المحتوى وفق الحالة النفسية للطلاب، أو في صناعة السينما عبر قياس ردود أفلام المشاهدين لحظياً. لكن الأسئلة تبقى: هل نثق بآلة تفهمنا أكثر مما نريد؟ وأين يختفي الإنسان حين تُترجم مشاعره إلى أصفار وواحدات؟