مايكروسوفت تُعلن إغلاق سكايب بعد 14 عامًا من الثورة في عالم الاتصالات
قبل 14 عامًا، غيّر تطبيق صغير اسمه "سكايب" طريقة تواصل العالم، محطمًا حواجز المسافات وقاربًا للثقافات عبر مكالمات فيديو مجانية لا تحتاج سوى اتصال بالإنترنت. لكن في مفاجأة صادمة، أعلنت مايكروسوفت -التي استحوذت على الخدمة عام 2011- نيتها إغلاق المنصة نهائيًا، مُنهية بذلك فصلًا ذهبيًا من تاريخ التكنولوجيا. القرار الذي هز مستخدمين تجاوز عددهم المليارات، يطرح أسئلةً مصيرية: لماذا الآن؟ وما البديل؟ وكيف سيتعامل العالم مع غياب أداةٍ كانت جزءًا من ذاكرة الملايين؟ هذه قصة نهاية عملاقٍ صنع الثورة، وسقوطه في زمن المنافسة الشرسة.
بعد أكثر من عقدٍ من الزمن، قررت مايكروسوفت إغلاق "سكايب"، الخدمة التي اشترتها بمبلغ 8.5 مليار دولار عام 2011، في خطوةٍ فسرها الخبراء كمحاولةٍ للتركيز على منصاتها الأحدث مثل "Teams"، والتي تتفوق تقنيًا وتتلاءم مع متطلبات العمل الهجين. القرار لم يأتِ بين ليلة وضحاها، بل تخللته سنوات من التراجع التدريجي في حصة سكايب السوقية، أمام منافسين كـ"زووم" و"واتساب"، الذين قدموا ميزات أكثر تطورًا وواجهات أبسط. رغم ذلك، يبقى سكايب رمزًا للاتصال البشري في عصرٍ سبق انتشار الذكاء الاصطناعي والتطبيقات المُفرطة في التعقيد.
الجدل حول الإغلاق تجاوز الجانب التقني إلى الاجتماعي، فسكايب لم يكن مجرد تطبيق، بل كان شاهدًا على لحظات إنسانية لا تُحصى: اتصالات المهاجرين بأسرهم، مقابلات العمل الأولى، وحتى زيجات افتراضية عبر القارات. تعليق الخدمة يعني فقدان أرشيفٍ من الذكريات المخزنة في خوادم مايكروسوفت، ما دفع العديد من المستخدمين للمطالبة بمنحهم مهلة لاسترداد بياناتهم. لكن الشركة أكدت أن الإغلاق نهائي، مشيرة إلى تحديات أمنية وتقنية قديمة تعيق تطوير المنصة، مع وعدٍ بدمج ميزاتها المميزة في خدماتها الأخرى.
ردود الفعل على القرار انقسمت بين مستخدمين شعروا بالحنين إلى الماضي، وآخرين اعتبروه خطوة متأخرة، خاصة مع تراجع جودة سكايب في السنوات الأخيرة، وظهور مشكلات مثل الإعلانات المزعجة واختراقات الخصوصية. من ناحية أخرى، يرى محللون أن مايكروسوفت تخلت عن سكايب لتركّز على سوق المؤسسات عبر "Teams"، الذي حقق نموًا هائلًا خلال الجائحة، بينما ظل سكايب حبيس الاستخدام الشخصي. هكذا، تكشف هذه النهاية عن تحول جذري في أولويات التكنولوجيا: من التواصل الإنساني البسيط إلى تعقيدات العمل الرقمي.
التحدي الأكبر الآن يتمثل في مصير ملايين المستخدمين، خاصة في الدول النامية، حيث كان سكايب حلًا اقتصاديًا للاتصال بالخارج. رغم وجود بدائل عديدة، إلا أن البعض يفتقر إلى الميزات المجانية أو البساطة التي تميز بها سكايب. مايكروسوفت حاولت تهدئة المخاوف بالإعلان عن دعم مهلة ستة أشهر للانتقال إلى "Teams" أو منصات أخرى، لكن المستخدمين العاديين -خاصة كبار السن- قد يواجهون صعوبة في التأقلم. السؤال الأبرز: هل ستنجح الشركة في الحفاظ على ولاء جمهورٍ شعبيٍّ كان أساس قوة سكايب؟
في الخلفية، تظل هذه الخطوة جزءًا من إستراتيجية مايكروسوفت للتخلي عن خدمات "المستهلكين" غير المربحة، بعد أن تخلت سابقًا عن "ويندوز فون" و"Groove Music". الإغلاق يسلط الضوء على تحول الشركة العملاقة إلى عمالقة التخزين السحابي والذكاء الاصطناعي، حيث المنافسة أقل والربحية أعلى. لكنه أيضًا يذكرنا بمصير التطبيقات الأسطورية التي تُدفن بلا رثاء كافٍ في عالم التكنولوجيا سريع الخطى. ربما يكون درس سكايب الأكبر هو أن الابتكار لا يكفي لضمان البقاء، إن لم يرافقه تحديث مستمر.
الختام يأتي بلمسة حزنٍ وحكمة: سكايب، الذي حوّل العالم إلى "قرية صغيرة"، غادر لأنه لم يعد قادرًا على مجاراة تطورات القرية نفسها. رحيله يذكّرنا بأن التكنولوجيا، رغم تأثيرها الخالد، هي نتاج قرارات تجارية قاسية. لكن ذكراه ستبقى: في كل مرة نرفع فيها هواتفنا لإجراء مكالمة فيديو، سنتذكر أن كل هذا البذخ الرقمي بدأ بتطبيقٍ أزرق صغير… اسمه سكايب.