-->

الجديد

بيغاسوس في قفص الاتهام: واتساب يوجّه ضربة قاضية لشركة NSO الإسرائيلية.

author image

في انتصار نادر للخصوصية الرقمية ضد واحدة من أكثر شركات التجسس إثارةً للجدل، قضت محكمة أمريكية بتغريم مجموعة NSO الإسرائيلية ما مجموعه **611 مليون دولار**، لصالح تطبيق **واتساب** التابع لشركة ميتا، بعد تورطها في حملة اختراق عالمية استهدفت الآلاف بواسطة برنامجها الشهير "بيغاسوس".

هذه المحاكمة لم تكن فقط انتصارًا قانونيًا، بل لحظة فارقة في تاريخ الحروب الرقمية، حيث تمكن تطبيق للمحادثات من جر شركة تجسس حكومية إلى ساحة العدالة.

**"انقر ليتم اختراقك؟" لا.. حتى النقرة لم تكن ضرورية**

الاختراق الذي أطلق شرارة الدعوى تم عبر تقنية **zero-click**، أي بدون تفاعل من المستخدم. كانت NSO ترسل مكالمات واتساب إلى الأجهزة المستهدفة، لتستغل ثغرة أمنية في التطبيق تسمح بزراعة كود خبيث يؤدي إلى تثبيت "بيغاسوس".

ما إن يتم التثبيت، حتى يتحول الهاتف إلى جهاز مراقبة كامل، حيث يمكن تشغيل الكاميرا والميكروفون، قراءة الرسائل، وتتبع الموقع في الزمن الحقيقي.

وبحسب تحقيق مختبر Citizen Lab، فإن البرنامج استُخدم للتجسس على **محامين، نشطاء حقوقيين، سياسيين معارضين، دبلوماسيين، وحتى مسؤولين حكوميين** في أكثر من 20 دولة.

**من يقف خلف بيغاسوس؟**

NSO Group شركة خاصة تأسست في إسرائيل عام 2010، وتقول إنها تبيع برنامج بيغاسوس "فقط للحكومات لمحاربة الإرهاب والجريمة".

لكن الحقيقة أن البرنامج، كما كشفت تسريبات عدة (أبرزها مشروع Pegasus Project الذي قادته مؤسسة Forbidden Stories بالتعاون مع أكثر من 80 صحفيًا)، استُخدم لاستهداف **صحفيين، معارضين سياسيين، وأفراد من المجتمع المدني**.

من بين الأهداف البارزة:

* **جمال خاشقجي**: تقارير أشارت إلى أن أقارب ومعارف الصحفي السعودي المغدور تعرضوا للمراقبة عبر بيغاسوس.

* **ماكرون ومسؤولون فرنسيون**: أدرجت أرقامهم ضمن قائمة أهداف محتملة للاختراق.

* **صحفيون في المغرب، المكسيك، الهند، المجر، السعودية، والإمارات**.

**صفعة قضائية مدوّية**

أصدرت المحكمة الأمريكية في كاليفورنيا الحكم بعد مداولات هيئة المحلفين، وخلصت إلى أن NSO:

* انتهكت قوانين الخصوصية الأمريكية.

* خرقت شروط استخدام واتساب.

* نفّذت هجمات سيبرانية ممنهجة باستخدام بنية تحتية خارجية.

وأجبرت المحكمة الشركة على **الكشف عن أجزاء من الكود المصدري** لبيغاسوس، وهي سابقة خطيرة لشركة لطالما أحاطت منتجاتها بجدار من السرية.

**واتساب.. من التبليغ إلى المحاسبة**

واتساب لم يكتفِ برفع الدعوى، بل أرسل إشعارات مباشرة للمستخدمين الذين تم استهدافهم، وهو تصرّف غير مسبوق من شركة تكنولوجية بهذا الحجم.

كما فرضت ميتا حظرًا على جميع موظفي NSO من استخدام منتجاتها (فيسبوك، إنستغرام، واتساب)، في رسالة صريحة بأنها لن تتهاون مع من يستغل خدماتها للإضرار بالمستخدمين.

**بيغاسوس في غزة: التجسس كأداة حرب**

مع تصاعد العدوان على غزة أواخر عام 2023، وردت تقارير تشير إلى استخدام إسرائيل لبرنامج بيغاسوس –إلى جانب أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي– في تتبع النشطاء ورصد مواقع المقاومين والرهائن.

ورغم غياب الأدلة التقنية الكاملة بسبب طبيعة الحرب، فإن هذه الممارسات تطرح أسئلة عميقة حول مستقبل الحروب الهجينة، حيث تُدمج أدوات المراقبة الرقمية في العمليات العسكرية.

**ما بعد الحكم: هل تبدأ نهاية "سوق التجسس"؟**

يرى كثير من الخبراء أن هذه القضية قد تؤسس لموجة قضايا ضد شركات مماثلة مثل:

* **Cytrox** (المسؤولة عن برنامج Predator).

* **Candiru** (الإسرائيلية أيضًا).

* **Intellexa** و**Hacking Team**.

وتعمل عدة منظمات حقوقية الآن على توثيق الانتهاكات الرقمية لدعم دعاوى قادمة في أوروبا وأمريكا.

**رد NSO؟ الصمت هو السلاح الأخير**

حتى لحظة نشر هذا التقرير، لم تصدر NSO أي بيان رسمي تعليقًا على الحكم. لكن الصمت لا يبدو إستراتيجية ناجحة في عالم بدأت فيه **الخصوصية تصبح سلاحًا، والتجسس تهمة جنائية**.